تُدمج النماذج اللغوية الكبيرة مثل GPT-4 بشكل متزايد في حياتنا اليومية، بدءًا من صياغة الرسائل الإلكترونية وصولاً إلى دعم قرارات الرعاية الصحية. ومع تزايد انتشار هذه الأنظمة الذكية، يصبح فهم قدراتها الاجتماعية أمرًا بالغ الأهمية لتحقيق تعاون فعّال بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.
وقد قام فريق بحثي من مركز هيلمهولتز ميونخ، ومعهد ماكس بلانك للسيبرنتيكا البيولوجية، وجامعة توبنغن، بنشر دراسة رائدة في مجلة Nature Human Behaviour، حيث قيّموا بشكل منهجي أداء النماذج اللغوية الكبيرة في السيناريوهات الاجتماعية باستخدام أطر نظرية الألعاب السلوكية.
وأجرى الفريق، بقيادة الدكتور إريك شولز، تجارب شاركت فيها نماذج الذكاء الاصطناعي في سيناريوهات كلاسيكية من نظرية الألعاب تهدف إلى اختبار التعاون، والمنافسة، واتخاذ القرارات الاستراتيجية. وكشفت النتائج صورة دقيقة لقدرات الذكاء الاصطناعي الاجتماعية.
يقول الدكتور شولز: "في بعض الحالات، بدا الذكاء الاصطناعي عقلانيًا للغاية لدرجة أنه يضر بنفسه؛ إذ كان يكتشف التهديد أو التصرف الأناني فورًا ويرد بالانتقام، لكنه كان يواجه صعوبة في رؤية الصورة الأكبر المتعلقة بالثقة والتعاون والتسوية".
وأظهرت الدراسة أن النماذج اللغوية الكبيرة تتفوق بشكل خاص في الألعاب التي تركز على المصلحة الذاتية مثل معضلة السجين المتكررة، حيث يكون الحفاظ على المصلحة الشخصية أمرًا أساسيًا. ومع ذلك، فإن أداءها يكون دون المستوى الأمثل في الألعاب التي تتطلب التنسيق والتسوية المتبادلة، مثل لعبة "معركة الجنسين".
ومن أكثر النتائج الواعدة تطوير الفريق لتقنية تُسمى "سلسلة التفكير الاجتماعي" (SCoT)، والتي تدفع الذكاء الاصطناعي إلى مراعاة وجهات نظر الآخرين قبل اتخاذ القرار. وقد أدى هذا التدخل البسيط إلى تحسين كبير في التعاون والقدرة على التكيف، حتى عند التفاعل مع لاعبين بشريين. وأشارت إليف أكاتا، المؤلفة الأولى للدراسة: "بمجرد أن دفعنا النموذج للتفكير اجتماعيًا، بدأ يتصرف بطريقة تبدو أكثر إنسانية بكثير".
وتتجاوز آثار هذه النتائج مجال نظرية الألعاب؛ فمع تزايد دمج النماذج اللغوية الكبيرة في مجالات الرعاية الصحية والأعمال والبيئات الاجتماعية، ستصبح قدرتها على فهم الديناميكيات الاجتماعية البشرية أمرًا بالغ الأهمية. ويوفر هذا البحث رؤى قيّمة حول كيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعي في بيئات اجتماعية معقدة، ويقدم أساليب عملية لتعزيز ذكائها الاجتماعي.